رجل المرور

فى الثمانينات كان يقف رجل فى الخمسينات من العمر على ناصية فى شارع أبى قير قرب منطقة كليوباترا، ملابسه لا تدل على أنه موظف فى المرور، إنه مجرد متطوع يقوم بمهمته يومياً دون أن يتقاضى عنها أجراً، لعله يفعل ذلك تحت إلحاح هاجس نفسى أو عقلى، فيما يشبة المرض، لكنه لم يكن من المرضى الخطرين، بل كان أحد علامات المنطقة وكان يبتسم دائماً وهو يمارس عمله التطوعى، اللافت والمؤكد أن هذا الشخص كان معروفاً لكل من يعبر المنطقة سواء فى سيارته أو المواصلات العامة، بمعنى آخر، كان معروفاً لملايين الناس، كان مشهوراً وربما كان ما يبحث عنه ليس هاجس تنظيم المرور ولكن هاجس الشهرة وقد نالها بإستحقاق.

ذات صباح

أنفقت أمينة كل مصروفها على كيس شيبسى ومصاصة، ثم أعطت ظهرها لعم حسين الذى ناولها طلباتها وهو ينحنى لها، قطعت كيس الشيبسى بأسنانها وبدأت تلتقط القطع وهى تتمهل فى مشيها لكى تأخذ أكبر وقت ممكن فى تأمل الشارع الذى يمتد إلى مالانهاية فهذه هى فسحتها الوحيدة خارج البيت كل يوم، ثم صعدت درجات السلم على مهل وهى تضع المصاصة فى فمها ودخلت البيت وحارت بين أن ترمى المصاصة من فمها وبين أن تواصل الإستمتاع برحيقها وهى تنظر إلى أبيها الذى يجلس على الفوتيه يخبأ رأسه بيده ويبكى، فإبتلعت المصاصة كحل واقعى ولجأت إلى أختها سعاد ذات العشر سنوات التى تجلس على فوتيه مقابل ثم رفعت جسمها ببطء لتجلس على حجرها تتأمل فى صمت حزن أبيها، ثم نزلت من حجر أختها وسارت ببطء إلى حجرة النوم وإقتربت من جسم امها المسجى ثم صعدت إليها لتنظر إلى وجهها.

النكلة


كان أبو نوال ستينياً ضريراً يجلس على مقعده على باب محله لتأجير الدراجات، وكان يستخدم عصاه ليعد بها الدراجات على يمينه ويساره، وكان يعرفها ويعرف مقاس كل واحدة بمجرد أن يلمسها بعصاه، كنت أذهب إليه وأستأجر نصف ساعة بقرش صاغ، فكان يتحسس القرش صاغ بأطراف أصابعه وعندما يتأكد من قيمة العملة كان يضرب بعصاه على الدراجة مقاس 24 التى تناسب طولى، ثم يتحسس عقارب ساعته بأصابعه، ويقول لى أن أعود فى موعد محدد فأنظر بدورى إلى ساعة يدى وأنطلق بالدراجة وأعود بعد 30 دقيقة بالتمام حتى اتجنب لسانه السليط، وجدت فى أحد الأيام نكلة، وهى عملة برونزية تشبه القرش الصاغ النحاسى الذى أستأجر به الدراجة، فذهبت بها إلى أبو نوال فتلمسها بأطراف أصبعه ثم نهض فى غضب وأطلق لسانه السليط بالشتائم، ثم رمى النكلة، فتابعتها فى الهواء وحددت مكانها حيث سقطت على الأرض، وفى البيت وضعت سن مسمار بجوار علامة "واحد مليم" ثم طرقت بالشاكوش حتى تشكل ما يشبه الصفر أمامها، ورضيت عما فعلت، لقد أصبحت النكلة تُشبه القرش "عشرة مليمات"، ثم عُدت لأبى نوال وسلمته النكلة فتحسسها ورفع عصاه وطرق بها على الدراجة مقاس 24 فسحبتها وإنطلقت بها، ولم أمنع نفسى من القهقهة وأنا أسابق الريح، ليس لأننى خدعت أبا نوال، ولكن لأننى إكتشفت أنا فظاظته ظاهرية، فهو شديد الطيبة لدرجة التظاهر بأنه أنخدع بالنكلة

المقهى


دائماً ما يكون الهزيع الأخير من كوب الشاى بارداً بسبب تيار الهواء البارد الذى يتسلل فى عصارى شهر فبراير إلى المقهى، فرفعت الكوب بيدى اليسرى وإرتشفت الهزيع دفعة واحدة، وملت بجسمى لألقى بزهرى الطاولة لكن (الجُهار دو) ليسا ما رجوت لأهرب من الهزيمة المحققة من هذا المحظوظ الذى لا يفقه شيئاً فى الطاولة.
-هل تلعب دوراً جديداً؟ سألته ببرود وإحتقار.
-هل ترغب فى تعويض خسارتك؟ سألنى وهو يطوى ضلفة الطاولة ليغلقها، ويسحب نفساً عميقاً لينطلق صوت كركرة الأرجيلة، فلم أرد عليه وبادرته متسائلاً.
-ما هو الهزيع؟ ففتح تليفونه المحمول وبحث عن المعنى فى جوجل ثم لم يرد وبدا مشغولاً بالقراءة وهو يواصل سحب الأنفاس من الأرجيلة، فنهضت ووضعت أموال مشروبى على الطاولة وإنصرفت، ثم توقفت على باب المقهى حتى تمر سيارة، وقلت لنفسى سوف أهزمه غداً، ثم عبرت إلى رصيف منتصف الشارع وإنتظرت مرور رهط من السيارات وانا أفكر فى كلمة صعبة أساله عن معناها غداً إذا هزمنى.
وفى اليوم التالى هزمته، فسألنى عن معنى كلمة "اليراع"، ثم نهض ووضع اموال مشروبه على الطاولة وتركنى أكركر الشيشة وأبحث فى جوجل عن المعنى.